سورة البقرة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


السجود لا يكون عبادة لِعَيْنهِ ولكن لموافقة أمره سبحانه، فكأن سجودَهم لآدم عبادةٌ لله؛ لأنه كان بأمره، وتعظيماً لآدم لأنه أمرهم به تشريفاً لشأنه، فكأن ذلك النوعَ خضوعٌ له ولكن لا يسمى عبادة، لأن حقيقة العبادة نهاية الخضوع وذلك لا يصحُّ لغيره سبحانه.
ويقال بَيَّن أن تقدُّسَه- سبحانه- بجلاله لا بأفعالهم، وأن التَجمُّلَ بتقديسهم وتسبيحهم عائدٌ إليهم، فهو الذي يجل من أَجَلَّه بإجلاله لا بأفعالهم، ويعز من أعزَّ قدره سبحانه بإعزازه، جَلَّ عن إجلال الخلق قدْرُه، وعزّ عن إعزاز الخَلْق ذِكْرُه.
قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ} أبى بقلبه، واستكبر عن السجود بنفسه، وكان من الكافرين في سابق حكمه وعلمه. ولقد كان إبليس مدةً في دلال طاعته يختال في صدار موافقته، سلَّموا له رتبة التقدم، واعتقدوا فيه استحقاق التخصيص، فصار أمره كما قيل:
وكان سراج الوصل أزهر بيننا *** فهبَّت به ريحٌ من البيْن فانطفا
كان يحسب لنفسه استيجاب الخيرية، ويحسب استحقاق الزلفة والخصوصية:
فبات بخير والدني مطمئنة *** وأصبح يوماً والزمان تقلبا
فلا سالِفَ طاعةٍ نَفَعَه، ولا آنِفَ رجعةٍ رفعه، ولا شفاعةَ شفيعٍ أدركتهْ، ولا سابقَ عنايةٍ أَمْسكتهْ. ومن غَلَبَه القضاء لا ينفعه العناء.
ولقد حصلت من آدم هفوة بشرية، فتداركتهْ رحمة أحدية، وأما إبليس فأدركته شقوة أزلية، وغلبته قسمة وقضية. خاب رجاؤه، وضلَّ عناؤه.


أسْكَنَه الجنةَ ولكن أثبت مع دخوله شجرة المحنة، ولولا سابق التقدير لكان يبدل تلك الشجرة بالنضارة ذبولاً، وبالخضرة يبساً، وبالوجود فقداً، وكانت لا تصل يد آدم إلى الأوراق ليخصفها على نفسه- ويقع منه ما يقع.
ولو تطاولت تلك الشجرة حتى كانت لا تصل إليها يده حين مدَّها لم يقع في شأنه كل ذلك التشويش ولكن بدا من التقدير ما سبق به الحكم.
ولا مكانَ أفضل من الجنة، ولا بَشَرَ أكيس من آدم، ولا ناصح يقابل قوله إشارة الحق عليه، ولا غريبة (منه) قبل ارتكابه ما ارتكب، ولا عزيمة أشد من عزيمته- ولكنَّ القدرةَ لا تُكابَرَ، والحُكْمَ لا يُعَارض.
ويقال لما قال له: {اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً} كان فيه إشارة إلى أن الذي يليق بالخَلْق السكون إلى الخَلْق، والقيام باستجلاب الحظ، وآدم عليه السلام وَحْدَه كان بكل خير وكل عافية، فلمَّا جاء الشكلُ والزوجُ ظهرت أنياب الفتنة، وانفتح باب المحنة؛ فحين سَاكَنَ حواء أطاعها فيما أشارت عليه بالأكل، فوقع فيما وقع، ولقد قيل:
داءٌ قديمٌ في بني آدم *** صبوةُ إنسان بإنسان

فصل:
وكلُّ ما منِع منه ابن آدم توفرت دواعيه إلى الاقتراب منه.
فهذا آدم عليه السلام أبيحت له الجنة بجملتها ونُهِيَ عن شجرة واحدة، فليس في المنقول أنه مدَّ يده إلى شيء من جملة ما أبيح، وكان عِيلَ صبره حتى واقع ما نُهِيَ عنه- هكذا صفة الخَلْق.

فصل:
وإنما نبَّه على عاقبة دخول آدم الجنة من ارتكابه ما يوجب خروجه منها حين قال: {إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً} فإذا أخبر أنه جاعله خليفته في الأرض كيف يمكن بقاؤه في الجنة؟
ويقال أصبح آدم عليه السلام محمود الملائكة، مسجود الكافة، على رأسه تاج الوصلة، وعلى وسطه نطاق القُرَبة، وفي جيده (...) الزلفة، لا أحد فوقه في الرتبة، ولا شخص مثله في الرفعة، يتوالى عليه النداء في كل لحظة يا آدم يا آدم. فلم يُمْسِ حتى نُزِعَ عنه لباسهُ، وسُلِبَ استئناسه، والملائكة يدفعونه بعنف أن اخْرج بغير مُكْثٍ:
وأَمِنْتُهُ فأتاح لي من مَأْمني *** مكراً كذا من يأمن الأحبابا
ولمّا تاه آدم عليه السلام في مِشيته لم يلبث إلا ساعة حتى خرج بألف ألف عتاب، وكان كما قيل:
لله دَرُّهُمُ من فِتْيةٍ بَكَرُوا *** مثلَ الملوكِ وراحوا كالمساكين

فصل:
نهاه عن قرب الشجرة بأمره، وألقاه فيما نهاه عنه بقهره، ولبَّس عليه ما أخفاه فيه من سِرِّه.


قوله جلّ ذكره: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}.
أزلَّهما أي حَمَلَهما على الزَّلة، وفي التحقيق: ما صَرَّفَتْهُما إلا القدرة، وما كان تقلبهما إلا في القضية، أخرجهما عما كانا فيه من الرتبة والدرجة جهراً، ولكن ما ازداد- في حكم الحق سبحانه- شأنُهما إلا رفعةً وقدراً.
قوله جلّ ذكره: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ}.
أوقع العداوة بينهما وبين الشيطان، ولكن كان سبحانه مع آدم (وحرب وهو معهم محالهم بالظفر).

فصل:
لم يكن للشيطان من الخطر ما يكون لعداوته إثبات، فإن خصوصية الحق سبحانه عزيزة قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].

فصل:
لو كان لإبليس سلطان على غواية غيره لكان له إمكانٌ في هداية نفسه، وكيف يكون ذلك؟ والتفرد بالإبداع لكل شيء من خصائص نعته سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
مشهد الأشباح ومألفها أقطار الأرض، ومعهد الأرواح ومرتعها رداء العرش، ولفظ الرداء استعارة وتوسع فكيف يكون للهمم بالحِدْثان تَعَلُّق، ولصعود القصود إلى الحقائق على الأغيار وقوع.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14